:التسمية

يدلل أهالي بسكرة ولايتهم بوصف “السكرة”، وربما يعود ذلك إلى تفردها في إنتاج تمور “دقلة نور” والتي تعد أكثر تمور العالم حلاوة في المذاق، حيث تتصف بأنها شبه شفافة، يمر من خلالها “النور“.

أما” الزيبان” فهي جمع لكلمة “الزاب” والتي تعني في اللغة أو اللهجة الجنوبية الصحراوية في الجزائر “واحة النخيل”، وقد عرّف ابن خلدون الواحة بأنها “وطن كبير يشمل قرى متعددة متجاورة جمعا جمعا أولها زاب الدوسن، ثم زاب مليلي، زاب بسكرة، زاب تهودة، وزاب بادس، وبسكرة أهم هذه القرى كلها،  لذا أطلق أهل بسكرة على ولايتهم لقب “عروس الزيبان” وذلك لجمال معالمها الطبيعية ، ولاحتوائها على كم كثيف من النخيل يتجاوز عدده الأربع ملايين نخلة منتشرة في صورة واحات متناثرة، أغلبها تقريبا مثمر ومنتج لـ”دقلة نور“.

ماتزال التسمية الأصلية لعروس الزيبان التي تُعرف الآن ببسكرة، محل خلاف المؤرخين سواء كانوا عربا أو أجانب؛ فمنهم من يؤكد أن اسمها مشتق من كلمة “فيسيرة” (VESCERA ) روماني الأصل، والذي يعني الموقع التجاري؛ نظرا لتقاطع طرق العبور بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، ومنهم من يرى أن التسمية الأولى هي (PISCINAME ) أو “بيسينام”، وهي كذلك رومانية، وتعني المنبع المعدني؛ نسبة إلى حمام الصالحين.
بسكرة… مهد لأعرق حضارة:
يفرض الحديث عن بسكرة الرجوع إلى تاريخها العريق وموقعها المتميز، فهي تضرب جذورها في أعماق التاريخ، حيث تعاقبت على أرضها الحضارات والثورات من العهد الروماني إلى الفتوحات الإسلامية إلى الغزو الفرنسي والاستقلال، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي؛ باعتبارها بوابة الصحراء، وهمزة وصل بين الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب، وبمناخ وتضاريس مثمرة أيضا، كل هذه المعطيات أعطتها أهمية عبر كافة المراحل والعصور التاريخية، كما كانت الحضارات قديما على ضفاف الأودية والأنهار وعلى منابع المياه وفي الأماكن الحصينة والمنيعة، فإن الحركة العمرانية لمدينة بسكرة انطلقت من مصادر المياه، فكان منبع حمام الصالحين ومنابع رأس الماء البدايات الأولى ببسكرة، فشكلت منابع الحمام ما عُرف بـ: “بيسينام”؛ حيث عُثر بالقرب من هذا الحمام على بقايا أثرية. أما الثانية فكانت النواة الأولى لما عُرف في العهد الروماني “فيسيرة”، ويبدو أن طبيعة ماء منبع الحمام حالت دون توسع “بيسينام”، ليترك المجال إلى” فيسيرة”، لتتحول إلى بسكرة الحالية مع الفتوحات الإسلامية، وتتوسع تحت ظروف تاريخية ومعطيات جغرافية اقتصادية وحضارية
أ – العصور الحجرية:
  يرتبط تاريخ المدينة بتاريخ مناطق الجنوب والجنوب الكبير؛ بحيث أرجعت دراسة تاريخ المنطقة إلى حوالي 7000 سنة قبل الميلاد، وقسمت تطورها إلى أربعة أقسام أساسية؛ بحيث مُيزت كل مرحلة بحيوان كان يعيش في ذلك الوقت وعلى تلك الرسوم التي وُجدت على الصخور والحجارة، فالمرحلة الأولى من 7.000 إلى 5.000 قبل الميلاد سُميت بمرحلة البوبال، وهو حيوان يشبه إلى حد كبير الثور. أما المرحلة الثانية فتمتد من 3.000 (ق.م)، وسُميت بمرحلة “البقر”. والمرحلة الثالثة ابتداء من 1.200 ق.م سُميت بمرحلة “الحصان”.
للإشارة، لوحظ على الرسوم الموجودة أن الأسلحة المستعمَلة من طرف قبائل هذه المرحلة، تشبه إلى حد كبير الأسلحة التي يستعملها “الطوارق” حاليا (الخنجر والدرع)، المرحلة ما بين القرن الثالث والأول قبل الميلاد سُميت بمرحلة “الجمل”، خلال هذه المرحلة يلاحَظ أن الحصان يفسح المجال للجمل؛ وهذا ما يجسد تصحر المنطقة وبروز قبائل.
ب – بسكرة في ظل الإحتلال الثلاثي:
         قبل الإحتلال الروماني لها ، سكنت بسكرة قبائل بربرية ، لم يذكر التاريخ عنها سوى نتف قليلة ” وقد اعتمدوا في معيشتهم على صيد الحيوانات المفترسة للمتاجرة بها مع الرومان الذين يستعملونها في حياتهم ، كما أنهم لم يعرفوا الزراعة إلاّ في حدود عام 200 سنة قبل الميلاد “
ولأهميتها الإقتصادية وموقعها الإستراتيجي إعتمد عليها القرطاجيون في جلب منتوجاتها الفلاحية التي كانت تشتهر بها في تلك الحقبة .
وقد تمكن الرومان من احتلال بسكرة أثناء سيطرتهم على كامل بلاد المغرب (149 ق – 439 م) وعاثوا فيها فسادا ، بعد أن واجهوا مقاومة عنيفة من طرف السكان الأحرار ، خاصة الملك الأمازيغي يوغرطة والقائد تاكفاريناس الذي امتدت مقاومته من سنة 17 م إلى 24 م، وقد ساعدهما سكان المنطقة وقدّموا لهما كل العون .
ويؤكد الرحّالة والمؤرخ الفرنسي ( جزيل ستيفان) : ” أن موقع المدينة الرومانية القديمة بفيسيرا أو بسكرة كان في الضفة اليسرى لوادي بسكرة المعروف حاليا بوادي سيدي زرزور”  و هذا بعد انضمامها إلى حكم الإمبراطور أغسطس على يد قائده كورنيليوس فيما بين (19 – 20 ق .م).
         وبعد اعتناق الرومان للمسيحية شيّدوا بها أسقفية تابعة للكنيسة ، وكانت بسكرة في العهد الروماني تعرف بها .
         وبالإضافة إلى أهميتها الدينية فقد اتخذها الرومان مركزا تجاريا مهمّا ومعبرا من خلاله يتوسعون ، ومازالت آثارهم إلى اليوم تشهد على ذلك ، في كل من حي العالية وفلياش ببسكرة ، وحتى في قلب جامعة محمد خيضر ببسكرة حيث بقايا حمّام معدني روماني .
         بعد القضاء على الرومان دخلت المنطقة ضمن مستعمرات الوندال الذين أحكموا قبضتهم على بلاد المغرب في عهد ملكهم جنصريق في الفترة الممتدة من (439م – 533م)، إلا أنهم لم يصمدوا أمام ثورة السكان مما اضطرهم إلى الإكتفاء بالمدن الشمالية من البلاد، حتى مجيء البيزنطيين الذين قاموا بطردهم ، لتدخل الجزائر وكافة بلاد المغرب تحت سيطرة احتلال جديد لم يكتف بالتنكيل بالوندال فقط بل ذاق السكان المغاربة ( البربر) منه الويلات، إلاّ أنهم قاوموا هذا الدخيل بقيادة بيداس بجبال الأوراس و أرتياس و يناس … و غيرهم.
وقد بقيت المنطقة تتخبط في صراعات دموية واضطرابات حتى مجيء المسلمين الفاتحين.
 
جـ – الفتح الإسلامي لبسكرة:
في القرن السابع الميلادي وفي حدود عام ( 27 هـ – 647 م ) إنطلقت جحافل المسلمين من مصر لفتح بلاد المغرب ، ولم يتمكنوا من ذلك إلا بعد مقاومات عنيفة من طرف السكان الأمازيغ الذين ظنوا أن المسلمين غزاة و محتلون كالرومان والبيزنطيين.
د – بسكرة في العهد الإسلامي:
بعد الفتح الشامل والتمكين ببلاد المغرب واندماج السكان الأمازيغ بالعرب المسلمين ، خاصة في عهد حسّان بن النعمان دخلت بسكرة كباقي المدن والأمصار تحت حكم الولاة التابعين مباشرة للدولة الأموية ، ومن بعدها الدولة العباسية ، وبعد استقلال الأغالبة بتونس عن العبّاسيين عام (184 هـ-800م) ، أصبحت بسكرة و ما جاورها من قرى الزاب مقاطعة تابعة للدولة الأغلبية ” حيث كان يحكم بسكرة أنذاك الأغلب بن سالم الذي كان يطلق على واحاتها اسم رأس إفريقيا “.
وبعد أن قضى الفاطميون على الدولة الرستمية بالجزائر عام (296 هـ – 909 م ) وعلى الدولة الأغلبية بتونس عام (297 هـ- 909 م) دخلت بسكرة تحت حكمهم خلال الفترة الممتدة من (296 هـ إلى 362 هـ) ، بعدها تمكنت عائلة بني رمان من التحكم في زمام أمورها ، هذه العائلة التي قال عنها ابن خلدون:” كانوا يحكمون بسكرة وعامة ضياعهم “.
وفي عهد الدولة الحمّادية بالجزائر (1007 م – 1152 م) ثار جعفربن رمان الذي كان له صيت وشهرة ، على بلقين بن محمد الحمّادي عام (450هـ – 1058م) فسيّر الأمير الحمّادي إليه جيشا تحت قيادة وزيره خلف بن أبي حيدرة، فدخل بسكرة عنوة، وألقى القبض على زعماء وشيوخ بني رمان واحتموا إلى قلعة بني حماد بالقرب من المسيلة فقتلهم جميعا”.
وفي العهد الثاني للحماديين نزحت قبائل بني هلال وبني سليم إلى بسكرة واتخذوها من أهم مراكزهم … إلا أن عائلة بني سندي تمكنت من صدّهم وأعطت ولاءها للحماديين الذين حوّلوا عاصمة ملكهم من القلعة بالمسيلة إلى بجاية الساحلية ، خوفا من هجمات الهلاليين وذلك في عهد السلطان الناصر بن علناس .
بعد ذلك برز الموحّدون في القرن 12 م الذين تمكنوا من القضاء على المرابطين بالمغرب الأقصى والحماديين بالجزائر والزّيريين بتونس ووحدوا بلاد المغرب قاطبة ولأول مرة في التاريخ تحت راية عبد المؤمن بن علي النّدرومي الجزائري والزعيم الروحي المهدي بن تومرت المغربي ، وقد دخلت بسكرة تحت حكمهم .
بعدها بدأ الضعف يسرى في جسم الدولة الموحدية عقب هزيمتهم في معركة (حصن العقاب) بالاندلس عام 1212م، حتى سقطت نهائيا بتاريخ (667 هـ – 1269 م) فانقسمت بلاد المغرب من جديد إلى ثلاث دول هي المرينية بالمغرب الأقصى ، والزّيّانية بالجزائر والحفصية بتونس ، ولم تستقر بسكرة في هذا العهد ، حيث كانت تضم إلى الحفصيين ومرة إلى الزيانيين و أخرى إلى المرينيين.
إلا إنها تمكنت من الانفصال عن دولة الحفصيين بتونس عام 1511 م واستطاعت بعد ذلك أن تحافظ على استقلالها، حتى استولى عليها حسن آغا التركي عام 1541م . وجعل فيها حامية تركية وهذا في ظل الوجود العثماني بالجزائر ( 1516م -1830م).
هـ – بسالة في وجه الاستعمار الفرنسي:
لمّا انقضّت فرنسا على العاصمة ( الجزائر ) في 05 جويلية 1830 شرعت في ابتلاع باقي أجزاء الدولة ، رغم تعهدها بالاكتفاء فقط بالعاصمة ، ومن المناطق التي سعت عمليا لاحتلالها منطقة بسكرة باعتبارها منفذا وطريقا إلى المناطق الجنوبية الشرقية من الوطن، وكانت في ذلك الحين تمثل الولاية الثامنة لدولة الأمير عبد القادر ( 1807 م- 1883م ) ، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، وكان مقر هذه الولاية مدينة سيدي عقبة ، وقد تعاقب على إدارتها كل من فرحات بن سعيد والحسين بن عزوز ومحمد الصغير بلحاج على التوالي .
وفي 04 مارس 1844 تمكنت القوات الاستدمارية بقيادة الدوق دومال بن الملك الفرنسي من دخول بسكرة ونتيجة لذلك تمركزت بالمنطقة حامية استعمار فرنسية سرعان ما قضي عليها من طرف خليفة الامير عبد القادر ” الحاج محمد الصغير العقبي” الذي خاض معارك على عدة جبهات ضد عائلة ابن قانة والاستعمار الفرنسي من جهة وضد احمد باي في قسنطينة من جهة اخرى..كما ان اهالي المدينة كانوا كسائر اخوانهم الجزائريين رافضين للاستعمار ولذلك فلم يستكينوا امام الغزاة. وانطلاقا من هذا المبدأ اندلعت ثورة ازعاطشة سنة 1849. بقيادة البطل الشهيد “بوزيان”. وهذه الثورة انتهت بتدمير القرية بكاملها واستشهاد قائدها ومن معه من المجاهدين ولكن القضاء على ثورة الزعاطشة لم يهدء من روع المقاومة التي استمرت بعزيمة أقوى في نفوس سكان منطقة بسكرة ضد الظلم والاستبداد والتسلط من طرف الاستعمار…
وقد شهدت المنطقة ثورات أخرى منها: ثورة العامري بمنطقة لغروس 1878، محتشد ببرج بن عزوز، معركة سريانة، زاويتا الصادق بالحاج وعبد الحفيظ الخنقي قائدا ثورة الزاب الشرقي.
و – من الجهاد بالسّلاح إلى النّضال والإصلاح:
         بعد فشل الانتفاضات الشعبية والثورات المنظمة التي قادها الشعب الجزائري ضد المحتل الغاصب خلال القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين ، لجأ الجزائريون إلى أسلوب جديد في المقاومة ممثّلا في الخيار السياسي والإصلاحي بتأسيس الأحزاب والجمعيات والنوادي وإصدار الصحف والمجلات وتنظيم المظاهرات والتجمعات الشعبية ..
وبحكم تاريخها وموقعها الاستراتيجي أصبحت بسكرة خلال العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين معقلا للحركتين الوطنية والإصلاحية حزب الشعب الجزائري وجمعية العلماء المسلمين، كما احتضنت المنظمة العسكرية الخاصة التي شرعت في التحضير للعمل المسلّح و الثورة ضد العدو الفرنسي بداية من عام 1947، كما كانت بسكرة إحدى أهم مراكز حركة أحباب البيان والحرية التي تحولت إلى الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري عام 1946 بقيادة السيد فرحات عباس وكان نائبه الدكتور سعدان يقيم ببسكرة والتي حوّلها إلى فضاء لنضاله الوطني و التصدي لعنجهية العدو الفرنسي .
ونتيجة للطابع العلمي والثقافي الذي تتميز به بسكرة تاريخيا أضحت حاضرة لجمعية العلماء المسلمين التي قادها رائد النهضة الجزائرية المعاصرة عبد الحميد بن باديس بحكم أن كثيرا من زعمائها أنجبتهم منطقة بسكرة وعلى رأسهم العلامة الطيب العقبي والشيخ محمد خير الدين نائب رئيس الجمعية ، وشاعر الجزائر الكبير محمد العيد آل خليفة والشيخ علي مغربي والشيخ أحمد سحنون والشيخ فرحات بن الدّرّاجي والشيخ محمد الهادي السنوسي الزّاهري …وغيرهم .
ي – بسكرة وثورة التحرير الكبرى:
العقيد سي الحواس (مشونش) والعقيد شعباني (أوماش) وغيرهم كثيرون (شهداء ومجاهدون) ومعهم الشعب في كل مناطق الزيبان ،خاضوا معارك ضارية ونضالات كثيرة ضد الاستدمار الفرنسي فسحقوا أركانه وحققوا النصر والاستقلال لجزائر.
المصدر: مو نو غرافية ولاية بسكرة 2015